أتذكر ونحن صغارا ببيتنا خطوات والدي نحو غرفتنا الوقت متأخر جدا، والجميع يتوسد مخدته...إلا أبي يفتح علينا باب الغرفة ...لا يكاد يحدث صوتا يتقدم بهدوء تام نحو أسرتنا يقشر بعض التفاح أحيانا عيوننا مغمضة ونأكل ،أو يطعمنا ياغورت ربما بنفس الملعقة ،ثم يرجع رؤوسنا للمخدة ... سمعت يوما حوارات بين والداي تدافع أمي عن نفسها والله لا واحدة من البنات باتت جائعة ولا حزينة ولا قلقة ...حتى الاولاد يرد والدي :المهم أن لا تبيت بناتي بدمعات ولا مغص ولا ألم...ولا جوع حصل هذا يوم أنتظرت أن يعود باكرا ليهديني ساعة بعيد ميلادي ،لكنه تأخر وبالفعل احتفلنا ببعض الحلوى والمشروبات والعصير ،فوالدتي اهتمت بالأمر غير أن حضوره كان ضروريا وهو الذي يرفض الاحتفال بأعياد الميلاد ،مسح على خدي والتصقت بكفه دمعتي، كنت أبكي تحت الغطاء، لم تنتبه أمي فقد رأت ضحكتي حين اجتمعنا حول مائدة الحلوى وقبلتني ودعت لي كثيرا ... التصقت بوالدي فضمني تلك الضمة التي تكسر الشوق وتزيده وهو يخرج الساعة من جيب سرواله ويضحك ويقول "الحمد لله على نعمة البنات" لما كبرت كثيرا فهمت معنى أن تكون لك بنت وأنت بعيد ...كم تحتاج البنت لأبيها وكم يحتاج الأب لابنته حفظ الله أباؤكم ورزقهم الصحة والعافية ورحم من توفي منهم فأحبوا البنات...هن المؤنسات الودودات ،فالأب بالنسبة لهن السند ولو عجز...