من المفارقات الغريبه ان بلادنا التي لم تكن تخلو مدينه فيها زمن الاستعمار من صحيفة او مجله حتى وان كانت اغلب هذه الصحف والنشريات اصدرها فرنسيون او معمرون لتكون هذه الصحف ناطقه باسم مصالحهم الا انها كانت تحمل في روحها الطابع المحلي والجهوي للجهة التي تصدر منها. وتحتفظ المكتبه الوطنيه بعشرات الصحف الجهويه التي كانت تصدر في بلادنا زمن الاستعمار واغلبها ناطق باللغة الفرنسيه وقليل منها باللغة العربية. مثل الصحف الجهويه التي كانت تصدر بالكاف وسوسه والقيروان وقفصه وصفاقس والمتلوي وبنزرت و جندوبه والقصرين .وعلاوة على الصحف الاخباريه هناك صحف جهويه رياضيه واخرى ذات طابع اقتصادي وهو رصيد كبير حان الوقت لدراسته من قبل طلبة معهد الصحافه والباحثين في شؤون الاعلام. وتواصل اصدار الصحف والمجلات الجهويه في تونس بعد الاستقلال وصدرت في عدة ولايات صحف ومجلات كان لها دور بارز في التعريف بخصائص هذه الجهات واكتشاف المواهب في مجال الكتابه الصحفيه وتميزت ولاية صفاقس بصدور عديد العناوين مثلما اثبته ذلك الباحث محمد الشعبوني في كتابه الصحافة بصفاقس وعرفت ولايتا سوسه وقفصه اصدار مجلتين هامتين في فترتي الستينات والسبعينات وهما مجلة مرآة الساحل بسوسه وتعاضد وثقافة بقفصة ولكنهما احتجبتارغم انهما المجلتان الاطول عمرا في تاريخ المجلات الجهويه. وتعتبر فترة الثمانينات الفتره الذهبيه في تاريخ الصحافة الجهويه في تونس حيث صدرت عدة صحف ومجلات جهويه مستفيدة من المناخ التحرري الذي عرفته البلاد وكذلك وجود رغبه من الحكومه في تشجيع الصحف الجهويه والاعلام الجهوي ككل فصدرت في صفاقس مجلة شمس الجنوب الناطقه بالعربيه لتلتحق بشقيقتها الناطقه بالفرنسيه la gazette du sud.انشاهما الصحفي والمربي المرحوم على البقلوطي واصدر المرحوم لطفي الجريري في جربه جريدة الجزيره الشهريه واصدر محمود الحرشاني جريدة مرآة الوسط النصف الشهرية ليحولها في ما بعد الى مجله شخهريه واعاد المرحوم صالح الدريدي اصدار جريدة القنال في بنزرت واصدر حمادي بن حماد مجلة احداث الشمال بالفرنسيه واليشير القوطالي اصدر الاحداث الاقتصاديه في بنزرت وصدرت في سوسه مجله حضرموت واصدر جعفر الاكحل مجلة الميثاق في سوسه والمنستير كما صدرت مجلة الرباط لصاحبها محمد بن زينب واصدر لخضر سويد مجلة شمس باللغة الفرنسيه في قفصه ولم تستمر من هذه المجلات والصحف الا مجلات شمس الجنوب ولاغزات ومرآة الوسط والجزيرة وتوقفت القنال بوفاة صاحبها . ومازالت مجلة الاتحاف الثقافيه تصدر انطلاقا من سليانه ولكن متعثره الصدور وتوقفت مجلات اخرى بعد صدورها مثل الحنايا التي صدرت بزغوان وصدى الصحراء في قبلي وتوزر 21 في ولايه توزر .واستطاعت مجلات شمس الجنوب ومرآة الوسط والجزيره ان تواضب على البصدور المنتظم لمدة تزيد عن الثلاثين سنه رغم ما واجهته من صعوبات وحاولت الدولة قبل سنة 2011 من خلال وزاره الاعلام او الاتصال في ما بعد ان تقدم دعما ولو محدودا لهذه الصحف والمجلات ساعدها على البقاء وفق مقاييس مضبوطه مثل الاستمرار في الصدور ودسامة المحتوى ورقم سحب هذه المجلات كما مكنت الحكومه هذه الصحف التي استطاعت ان تستمر في الصدور من نصيب من الاشهار العمومي ساعدها على تغطية جانب من التكاليف. ويمكن اعتبار عشريتي الثمانينات والتسعينات الفترة الذهبيه لازدهار الصحافه الجهويه في تونس وتواصلت هذه الفتره الى حدود نهايه سنة 2010 لتشهد الصحافه الجهويه بذلك انتكاسة كبرى فاختفت هذه الصحف والمجلات واحده بعد اخرى لصعوبه التكاليف وغياب دعم الدولة الكامل وحرمان هذه المجلات والصحف من الاشهار العمومي فغابت مجلات وصحف القنال بوفاة صاحبها وتعثرت مجلة مرآة الوسط رغم انها مازالت تحاول وتحولت الى رقميه واختفت مجلتا شمس الجنوب ولاغزات دي سيد وتحولتا الى رقميتين وكذلك الشان بالنسبه لصحيفة الجزيره في جربه التي تصدر بشكل متعثر. واليوم تونس خالية تماما من الصحافه الجهوية المكتوبه وهو امر محيبر حقا في الوقت الذي يكثر فيه الحديث عن الديمقراطيه المحليه والتشاركيه نلاحظ مع الاسف غياب اهم محمل الديمقراطيه المحليه وهي الصحافه الجهويه على عكس ما هو متوفر في بلدان قريبة منا حيث تحظى الصحافه الجهويه بدعم سخي من الحكومة وتسهيلات في النقل وامتيازات جبائية وفرصض تشغيل وتكوين واسعه.والغريب ان الدولة غائبة تماما عن هذا الموضوع ولم تصدر عنها اي مبادره تعيد الامل في اعاده الروح للصحافه الجهويه المكتوبه في تونس محمود حرشاني باحث في شؤون الاعلام مدير مؤسس لمجلة مرآة الوسط