الفصل السابع عشر توطدت علاقة سامح بزميلته إيمان.. أصبحا لا يفترقان إلا في ساعة متأخرة من المساء عندما تعود إيمان إلى بيت عائلتها ويعود سامح إلى المبيت الجامعي برأس الطابية.. يراجعان معا ويتفسحان معا.. ويذهبان إلى قاعة السينما معا.. كثيرا ما حدثت إيمان زميلها سامح عن حبها للسينما.. فهي تذهب على الأقل مرة في الأسبوع لمشاهدة أحدث ما تعرضه قاعات السينما من أفلام عربية وغربية وهي تحب كثيرا الأفلام التي تشارك في بطولتها فاتن حمامة وشادية.. أما سامح فهو مغرم بمشاهدة الأفلام الأجنبية.. هو يرى أن الأفلام العربية تدور في حلقة مفرغة لا تخرج عن نطاق الحب والخيانة الزوجية.. قليلة هي الأفلام التي تعالج قضايا سياسية أو تقترب من هموم الناس الحقيقية.. وهو يفضل قراءة الكتب عن مشاهدة الأفلام والأشرطة السينمائية.. ويحب كثيرا روايات نجيب محفوظ وخاصة ثلاثية السكرية وبين القصرين وقصر الشوق ورواياته الأخرى.. أما إيمان فإنها تحب روايات توفيق الحكيم وترى أن توفيق الحكيم أفضل من نجيب محفوظ وتتباهى أمام سامح بأنها قرأت أغلب روايات توفيق الحكيم ومسرحياته مثل شهرزاد ويا طالع الشجرة وحمار الحكيم وعصا الحكيم ويوميات نائب في الأرياف. أما سامح فإنه كثيرا ما يدخل معها في نقاش - لا. لا أنا أرى أن نجيب محفوظ أفضل من توفيق الحكيم.. توفيق الحكيم يبدو لي كاتبا برجوازيا فهو لم يتخل عن صفته كقاض حتى وهو يكتب كتاباته معقدة.. هو ابن المدرسة الغربية متأثر إلى حد كبير بجون بول سارتر.. كتاباته يغلب عليها الطابع الوجودي.. أما نجيب محفوظ فإنه ابن البيئة المصرية.. عندما تقرأ الثلاثية يدخلك من حيث لا تدري إلى أجواء الحارة المصرية وينقل مشاغل الناس البسطاء.. هكذا يجب أن يكون الأديب أو الكاتب لسان حال البيئة التي يعيش فيها. وتصر إيمان على رأيها - أنت تظلم توفيق الحكيم.. أنا أرى أن توفيق الحكيم بلغ القمة في حمار الحكيم وعصا الحكيم ويوميات نائب في الأرياف.. إنك تحك على توفيق الحكيم دون أن تقرأ له. ويشعر سامح بالضيق ويقول لإيمان - أنت متعصبة له.. لو قرأت لنجيب محفوظ لغيرت رأيك. الساعة الآن الرابعة مساء.. وشارع الحبيب بورقيبة يعج بالرائحين والقادمين من المارة.. وعلى جانبي الطريق انتصبت المقاهي والدكاكين والمحلات التجارية والمكتبات وقاعات السينما.. وعلى طرف الشارع من اليمين تنتصب الكنيسة ومن حين لآخر يصدر عنها صوت الناقوس.. ويداخلها عدد من المصلين من المسيحيين يمارسون طقوسهم بكل حرية. أما في الطرف الآخر فقد انتصب المسرح البلدي ببنايته الشامخة.. هنا في هذا الفضاء كانت لرجال المسرح صولات وجولات.. كبار المسرحيين والمخرجين المسرحيين من الشرق والغرب عرضوا مسرحياتهم هنا.. هنا عرض علي بن عياد أفضل المسرحيات.. مراد الثالث وغيرها من روائع المسرح العالمي.. وقف سامح وإيمان أمام بناية المسرح البلدي.. وعلى مدرجاته الأمامية جلس عدد من الشباب. قال سامح مخاطبا إيمان - تعالي نجلس مثلهم. اتخذ سامح وإيمان لهما مكانا في أعلى المدارج من جهة اليمين.. بدت لهما بناية نزل الهناء الشامخة بطوابقها تثير في نفسيهما الرغبة في شرب قهوة في الفضاء الخارجي أسفل البناية. قالت إيمان : - ألا تريد أن تشرب قهوة. رد سامح : - أنت تدفعين.. كل ما أملكه من ثروة اشتريت به كتبا من مكتبة الكتاب. ضحكت إيمان وأخذت سامح من يده تساعده على الوقوف وقطعا الشارع باتجاه المقهى. خير سامح أن يجلس وإيمان في الفضاء الخارجي هو لا يحتمل رائحة التدخين المنبعثة من الفضاء الداخلي حيث كان عدد من الجالسين يدخنون بشراهة ويحتسون الجعة. طلبت إيمان عصير برتقال وطلب سامح قهوة مضغوطة وانتحيا ناحية بعيدة عن أعين الرقباء.. قال لها تعالي نفعل مثلهم.. تعالي نجلس هناك.. ما إن جلسا في الناحية التي اختاراها حتى جاءتهما امرأة في العقد الرابع من عمرها على ما يبدو تبيع عقودا قدت من الياسمين وعرضت عليهما بضاعتها. قالت مخاطبة سامح - ألا تستحق منك أن تطوق جيدها بعقد من الياسمين. امتدت يد سامح إلى جيبه وأخرج ما بقي به من دنانير ومد لها خمسة دنانير ثمن العقد قال - نعم هي تستحق. وأحنت إيمان رأسها ليطوق سامح حبيبها جيدها بأحلى عقد من الياسمين وقد علا ضحكهما.