"أحكيلي حكاية" هي جملة كان يرددها الروائي التونسي حسنين بن عمو عندما كان يخرج يوميا وهو في عقده الثالث، للتجوّل في أسواق المدينة العتيقة بتونس ليتصيّد امرأة أو رجلا من كبار السن فيجالسه/ا/ ويطلب منه/ا/ أن يحكي له أو تحكي له حكاية فيتعجبون من طلبه فيلح "أحكي لي عن تجربتك". وبدأت كتابات حسنين بن عمو تتوج مذ كان تلميذا في المرحلة الثانوية عند مشاركته في عدّة مسابقات تلمذية انطلاقا من سنة 1963 فقد كان يحصد دائما الجائزة الأولى في الرسم والشعر والقصة لتنيع تجربة الكتابة لديه مع عشقه للتاريخ . وكان بن عمو شغوفا بالبحث عن تاريخ بلده في وجود كبار السن الذين حوله، والذي كان يعلم أنّهم سيرحلون ويأخذون معهم إلى الأبد جزءا من تاريخ بلده. وهكذا قرر قهر الزمن وتخليد الذاكرة التونسية وإحياء التاريخ إذ أكد في تصريح لوات على هامش لقاء أدبي نظمه النادي الأدبي بالمكتبة العمومية بقصر هلال بولاية المنستير يوم السبت 28 جانفى، أنّه "كلما وجدت حكاية لدى أحد كبار السن أكتبها وأدفعها للجريدة". يقول هذا المبدع إنه كثيرا ما كان يتألم عند رؤية "المسلسلات المصرية والسورية تغزو فضاءاتنا في حين لنا تاريخنا أيضا الذي نفاخر به" وصادف أن قرأ ذات مرّة مقالا بعنوان "راغ تايم" وهو اسم رقصة أمريكية فتساءل "لماذا يؤرخ الأمريكيون لتاريخهم برقصة في حين نحن لنا تاريخ 3000 سنة ... ". واختار عندئذ كتابة الرواية التاريخية لتمرير عشقه للتاريخ إلى القارئ لكي يتقبله بكلّ يسر. وجاءت كتابات الروائي التونسي حسنين بن عمو نوعية تتميز باقتباس التاريخ وتوظيفه روائيا وهذا المنحى في الاستئناس بالتاريخ في كتابة التخييلي رواية ومسرحا يعتبر من المسائل التي تشد القارئ حسب الأستاذ الجامعي والباحث حمادي الحلاوى الذي نشط اللقاء الأدبي بقصر هلال. وبيّن الحلاوى أنّ إقبال الجمهور اليوم على مؤلفات حسنين بن عمو معبّر جدّا إذ يجد القارئ في هذه النوعية من الكتابة من التشويق ما يجعله يفتح نوافذ على تاريخ بلاده وعلى جملة من الأحداث التي تستهويه وما كان ليقبل عليها لو قدمت له في كتاب تاريخي أو كمادة تاريخية. ويجد القارئ في كتب بن عمو متعتين، المتعة الفنية العادية التي يجدها في المؤلفات التخييلية وخاصة في الرواية لما فيها من حبكة وتشويق وجمالية أسلوب، والمتعة الثانية وهي المادة التاريخية التي تستهويه كثيرا إذ يجد فيها ذاته وهويته وتاريخه القريب وفيها صدى للواقع خاصة أنّ كتابات حسنين بن عمو كانت متصلة بالعصور الحديثة والمعاصرة أي بالقرنين 19 و20 وهو ما يجعل المتلقي شغوفا بها وهذا أمر جميل وفق المتحدث، فالوظيفة المعرفية كانت عند حسنين بن عمو هي الهاجس الأكبر قبل هاجس طرح إشكاليات الحاضر أو ما يسمي في الأدب والرواية الوظيفة الإيديولوجية الفكرية. وكان عز الدّين المدني سباقا في كتابة تاريخ تونس الوسيط والحديث من خلال مجموعة من المؤلفات منها "ثورة صاحب الحمار" و"الغفران" و"ثورة الزنج"، والحبيب بولعراس في مسرحية "مراد الثالث" التي طرح فيها إشكاليات الحاضر من خلال المادة التاريخية، والهادي التيمومي "قيامة الحشاشين" التي انطلقت من كتابة التاريخ من خلال التخييل وهي رواية مهمّة جدّا تقتبس من التاريخ القديم والوسيط لطرح قضايا راهنة حارقة وهي الإرهاب والعنف التي عالجها من خلال التاريخ. ويرى الحلاوي أن إدراج تجربة حسنين بن عمو وغيرها من التجارب في الشعر والأدب التونسي الحديث في التعليم الثانوي وفي التعليم العالي مسألة مهمّة، لتدرس من باب تاريخ الأدب أو تحليلا وتفكيكا وليحدد الباحث قيمة الأثر فنيا باعتبار أنّ كلّ أثر يمكن درسه في مستوى أكاديمي. وتجربة حسنين بن عمو لم تقتصر على كتابة مقالات في الجريدة بل كتب السيناريو فكان أوّل عمل له سنة 1994 "فرسان السراب" وله حاليا عدد من الروايات التي يريد استكمال كتابتها إلى جانب وضع اللمسات الأخيرة لترجمة "باب العلوج" و"رحمانة" و"باب الفلة" التي سيجدها القارئ في معرض الكتاب. وأكد لوات مدير دار نقوش عربية التي أصدرت جل روايات بن عمو في طبعات أنيقة، الدكتور في التاريخ والباحث منصف الشابي أن الجامعي أحمد القابسي هو الذي ترجم هذه الروايات إلى اللّغة الفرنسية وقد "أبدع في الترجمة إلى حدّ أنّك عند قراءة الكتاب بالفرنسية تتساءل إن كان قد كتب أصلا بالفرنسية أم بالعربية". ويقول الناشر منصف الشابي إن تعامل حسنين بن عمو مع دار نقوش عربية انطلق منذ سبع سنوات إذ أقنعه بأن يطبع له رواياته وينشرها غير أنّ بن عمو في البداية "كان مترددا إذ طبع بعض الكتب على نفقته الخاصة ووجد صعوبات في التوزيع" ونجحت التجربة تماما ففي خمسة سنوات أصبح حسنين بن عمو أكبر روائي في تونس وهو يضاهي حنا مينا في سوريا ويوسف زيدان في مصر حسب منصف الشابي. وأعرب الشابي عن انبهاره بكتابات حسنين بن عمو الذي يأخذ التشكيلة التاريخية للأحداث ويتصرف فيها بتصرّف إبداعي روائي ويضيف لها صورا جميلة فهو يفتح بابا للأجيال الصاعدة لتكتشف جوانب من التاريخ ثم تنطلق من ذلك الاكتشاف إلى معرفة أكثر دقة أو أكثر علمية لصفحات من التاريخ التونسي. وتكمن قوة حسنين بن عمو حسب منصف الشابي في أنّه يأخذ حدثا تاريخيا معيّنا ويبحث له عن جوانب محيطة به فمخيلته مبدعة جدّا وأسلوبه سهل جدّا وجذاب. - وكالة تونس افريقيا للانباء - مكتب المنستير -